الماكينة الألمانية التي حركت العالم

 السيارات الألمانية إحدى أكثر السيارات تنافسية وابتكاراً على مستوى العالم وهو أمر متوقع عزيزي القارئ بما أن ألمانيا هي مسقط رأس اختراع السيارة بشكلها الحديث الذي نعرفه اليوم .

 وهي رابع دولة من حيث إجمالي عدد المركبات المصنعة سنوياً ، حيث يبلغ عدد السيارات المصنعة في ألمانيا قرابة 6 ملايين سيارة ، أي ما يعادل 35.6% من عدد السيارات المصنعة في الإتحاد الأوروبي، وهو ما جعل ألمانيا تحتل صدارة قطاع تصنيع السيارات في أوروبا منذ ستينيات القرن الماضي.

محركات ألمانية

كما يُعتبر قطاع صناعة السيارات في ألمانيا أحد أكبر القطاعات من حيث عدد العاملين ، حيث بلغ حجم القوى العاملة في قطاع صماعة السيارات قرابة 747 ألف عامل وموظف وفقاً لإحصائيات عام 2009.

وقد فازت السيارات الألمانية بجوائز “سيارة العام” الأوروبية والدولية أكثر من أي سيارات أخرى ، بينما جاءت سيارة فولكس فاجن بيتل الأيقونية و سيارة بورش 911 في المركزين الرابع والخامس في جائزة أفضل سيارة في القرن الماضي.

 جدول صناعة السيارات الألمانية

تاريخ السيارات الألمانية

شهدت ألمانيا ولادة اختراع السيارة عندما قام (كارل بنز) و (نيكولاوس أوتو) – كل على حدة- بتطوير محرك الاحتراق الداخلي رباعي الاسطوانات في نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر ، حيث قم (بنز) بتركيب تصميمه الخاص على عربة عام 1887 ، وهو ما أدى إلى ظهور السيارة الحديثة  كما نعرفها اليوم، وبحلول عام 1901 كانت المانيا تصنع 900 سيارة سنوياً.

أول سيارة في العالم

و تأسست شركة (دايملر بنز) عام 1926 كنتيجة دمج شركتي (كارل بنز) و (غوتليب دايملر) السابقتين وأصبحت تنتج السيارات تحت اسم (مرسيدس بنز) ، بينما يعود تاريخ تأسيس شركة بي ام دبليو إلى عام 1916 ، ولكنها لم تبدأ بصنع السيارات إلا في عام 1928 حيث كانت تصنع محركات الطائرات في البداية.

شعار بي ام دبليو

وكان قطاع صناعة السيارات الألمانية ضعيفاً في البداية، ما فتح الباب أمام شركات السيارات الأجنبية للدخول إلى هذا السوق مثل شركة جنرال موتورز التي اشترت شركة (أوبل) عام 1929 ، وشركة فورد التي افتتحت فرعاً لها هناك عام 1925.

وبعد انهبار الاقتصاد العالمي خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات دخل قطاع تصنيع  السيارات الألمانية في أزمة صعبة ، حيث لم ينج من الأزمة سوى 12 شركة من أصل 86 شركة سيارات ألمانية في العشرينيات، وانمدجت أربع شركات منها في شركة واحدة عام 1932 حملت اسم (أوتو يونيون)، فيما ساهمت هذه الشركة الجديدة لاحقا بشكل كبير في تعافي ألمانيا من الكساد.

أوتو يونيون

صعود النازية وسقوط ألمانيا

ولكن نقطة التحول في قطاع صناعة  السيارات الألمانية جاءت في منتصف الثلاثينيات عندما صعد الحزب النازي إلى السلطة ، حيث كان يعول (أدولف هتلر) على تطوير قطاع النقل وصناعة السيارات لرفع مستوى المعيشة للألمان ، كجزء من خطته للترويج للحزب النازي

هتلر وفولكس فاجن بيتل

وبدأت عملية مستمرة من شق الطرق وتطويرها شهدت ظهور أول طريق سريع (أوتوبان) عام 1935 ، وفي المقابل تم إطلاق مشروع (فولكس فاجن) – سيارة الشعب بالعربية- لتصميم وصنع سيارة قوية ورخبصة انتهى بتقديم السيارة الأيقونية (فولكس فاجن بيتل) عام 1937 والتي احتاجت لبناء مدينة بكاملها حول المصنع لتوفير المسكن للعمال.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تم تدمير معظم مصانع السيارات في البلاد واحتاجت ألمانيا الغربية إلى الكثير من الديون، ولكن اتفاقية لندن عام 1953 حدّت سداد الدين بـ3% من الصادرات ، ما شكل حافزاً للدول الدائنة لاستيراد المنتجات الأمانية وخاصة السيارات ، وفي المقابل كانت ألمانيا الشرقية تحت الحكم السوفييتي الذي قام بتفكيك معظم المصانع ونقلها إلى الاتحاد السوفييتي كغنائم حرب.

غنائم الحرب العالمية الثانية

التعافي بعد الحرب العالمية الثانية

استأنفت فولكس فاجن تصنيع طراز بيتل عام 1945 ، بعد أن تحول المصنع إلى صناعة الآليات العسكرية خلال الحرب ، ووصل إجمالي عدد سيارات فلوكس فاجن بيتل إلى مليون سيارة بحلول عام 1955 ، وارتفع هذا العدد إلى 10 ملايين عام 1965 حيث حازت سيارة بيتل شهرة عالمية

بيتل

وقامت شركات السيارات الأخرى بمواصلة تصنيع السيارات، واعتمدت الموديلات الأولى على تصاميم السيارات قبل الحرب

حيث واصلت مرسيدس بنز إنتاج سيارة الفئة 170 عام 1946 ، ثم قدمت الفئة 220 عام 1951 والتي زوّدت بمحرك جديد والفئة 300، أما أوبل فأعادت تصنيع طراز (أوبل أوليمبيا) عام 1947 و (أوبيل كابيتان) عام 1948 ، أما الماكينات والآلات الخاصة بتصنيع (أوبل كاديت) فتم تفكيكها ونقلها إلى الاتحاد السوفييتي لصنع سيارة (موسكوفيتش 400)

مرسيدس بعد الحرب العالمية الثانية

وبدأت بورش بإنتاج سيارة 356 الرياضية عام 1948 ، ثم طرحت طراز بورش 911  الشهير عام 1964  والذي ما زال مستمراً حتى الآن، أما أول سيارة BMW بعد الحرب فكانت سيارة BMW 501 , و سيارة BMW 502 الفاخرتين عام 1952 .

وفي المقابل فإن وضع ألمانيا الشرقية كدولة شيوعية انعكس في تصاميم سياراتها البدائية وفي مستوى جودة المنخفض لهذه السيارات ، إلا أنها استرمت في إنتاج السيارات حتى سقوط جدار برلين عام 1990.

سيارات ألمانيا الشرقية

بيتل وأخواتها

في الخمسينيات ظهرت سيارات (ببل كار) أو السيارة الفقاعة بالعربية ، وهي سيارات اقتصادية تتميز بحجمها الصغير للغاية ، حيث كانت بي ام دبليو  أكبر صانع لهذا النوع من السيارات في العالم ، ومنها سيارة بي ام دبليو إزيتا و بي ام دبليو 600 ، إلا أن هذه الفئة من السيارات فقدت شعبيتها وتوقف إنتاجها بحلول عام 1970.

إزيتا

في أواخر الخمسينيات كانت بي ام دبليو تعاني من متاعب مالية وقامت عائلة (كواندت) بشرائها ، كما قامت شركة (دايملر) بشراء شركة (أوتو يونيون) عام 1958 ولكنها باعتها لشركة فولكسفاجن بالتدريج بين عامي 1964 و 1966 ، حيث قامت فولكس فاجن بإعادة اسم (أودي).

كما واجهت شركة فولكس فاجن الكثير من المتاعب المالية في بداية السبعينيات ، فبينما كانت سيارتها القديمة (بيتل) تحقق مبيعات عالية في أنحاء العالم ، إلا ان موديلاتها الجديدة لم تكن ناجحة بنفس المقدار ، ولكن الشركة بدأت بالتعافي مع إطلاق طراز (باسات) عام 1973 ، وبعده طراز (جولف) عام 1974 و (بولو) عام 1975 ، والتي تمتعت كلها بتصميم (هاتشباك) مع نظام الدفع المامي للعجلات الذي اكتسب شعبية كبيرة في أنحاء أوروبا بعد أن قدمته شركة (رينو) الفرنسية للمرة الأولى في العالم عام 1965 في طراز (R16).

أول هاتشباك في العالم رينو

وتم إيقاف تصنيع بيتل في ألمانيا عام 1978 ، إلا ان تصنيعها استمر حتى عام 2003 في مصانع الشركة في البرازيل والمكسيك.

وحققت شركتا (أودي) و (فولكسفاجن) شعبية متنامية في الأسواق العالمية في السبعينيات والثمانينيات ، وخاصة مع سيارة أودي 100 و أودي 80 التي فازت بجائزة أفضل سيارة أوربية عام 1973 ، بينما انتقلت أودي إلى سوق السيارات الرياضية مع سيارة (كواترو) عالية الأداء ، والتي أصبحت أودي تستخدم نظامها للدفع الرباعي للعجلات في سياراتها من فئة سيدان.

أودي كواترو

وفي السبعينيات وبداية الثمانينيات قامت شركة جنرال موتورز بدمج سيارات أوبل مع سيارات (فوكسهول) البريطانية ، واستخدمت لهما نفس التصاميم والمواصفات مع فرق الأسماء فقط ، بينما تحولت الشركة إلى فئة سيارات هاتشباك ذات نظام الدفع الأمامي للعجلات  بإطلاق نسخة جديدة من (أوبل كاديت) عام 1979 لمواجهة المنافسة الشرسة من فولكس فاجن وسيارااتها ذات التصاميم الحديثة .

ودخلت فورد كذلك سوق سيارات (هاتشباك) بطراز فييستا 1976 و إسكورت 1980 و سييرا 1982 .

 فورد فييستا

وفي المقابل حافظت بي ام دبليو ومرسيدس على أسلوبهما السابق ، مع سيارات (صالون) العائلية ونظام الدفع الخلفي للعجلات وسيارات (كوبيه) الرياضية خلال هذه السنوات ، إلا أن بي ام دبليو طورت بشكل كامل من موديلاتها في الثمانينيات وبداية التسعينيات ، فعلى سبيل المثال طرحت بي ام دبليو سيارة الفئة الثالثة عام 1975 في البداية كسيارة صاون ببابين ، ولكن في جيلها الثاني عام 1982 توفرت بي ام دبليو الفئة الثالثة أيضاً بنسخة أربعة ابواب (صالون) و نسخة خمسة أبواب (ستيشن) ، وفي جيلها الثالث في التسعينيات طُرحت السيارة أيضاً بنسخة هاتشباك .

BMW e30

وبالطبع فقد كانت ألمانيا الغربية أكثر تطوراً بكثير من ألمانيا الشرقية ، وفي الوقت الذي كانت تصنع فيه ألمانيا الغربية قرابة 4.5 مليون سيارة في السنة ، لم يتجاوز إنتاج ألمانيا الشرقية 200 ألف سيارة خلال الثمانينيات.

سيارات ألمانيا الشرقية

سقوط الجدار

بعد سقوط جدار برلين دخلت صناعة السيارات في مرحلة من دمج وشراء الشركات والتوسع العالمي ، فبالإضافة إلى الصادرات المباشرة أسست شركات السيارات الأمانية واشترت مصانع في أنحاء أوروبا وآسيا و أمريكا الجنوبية وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان للاستثمارات الألمانية حصة كبيرة من قطاع ثصماعة السيارات في الصين والبرايزل والمكسيك ودول أوروبا الشرقية.

جدار برلين

وتعاونت شركة (فولكسفاجن) مع شركة (شنغهاي) عام 1984 في مشروع مشترك أطلق عليه اسم ( شانغهاي فولكس فاجن) ، وفي 1990 أسست شركة (FAW فولكسفاجن) لصنع سيارات فولكسفاجن وأودي في الصين،  كما اشترت فولكسفاجن شركة سيات الإسبانية عام 1986 وشركة (شكودا) عام 1991 ، وعملت على تطوير سيارات هذه الشركات وتحسينها ووسعت من حصتها السوقية في أنحاء أوروبا .

وفي عام 1998 دخلت فولكسفاجن عالم السيارات الفاخرة والسيارات الخارقة ، وقامت بشراء شركة (بنتلي) البريطانية و (بوغاتي) و (لمبرجيني) من إيطاليا.

 لمبرجيني

واشترت شركة BMW مجموعة روفر البريطانية عام 1994 ، ولكن الخسائر الكبيرة أدت إلى بيعها عام 2000، إلا أن بي ام دبليو احتفظت بعلامة (ميني) التجارية لمجموعة من السيارات الجديدة ، فيما افتتحت بي ام دبليو مصنعاً لإنتاج مركبات SUV الضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما اشترت اسم علامة (رولز رويس) التجارية وتعاونت مع الشرلاكات الصينية في افتتاح شركة (بي ام دبلوي بريليانس) في الصين.

رولز رويس

ودخلت شركة مرسيدس بنز في شراكة مع شركة كرايسلر الأمريكية عام 1998 ، إلا أن الاختلافات الثقافية والخسائر المالية أدت إلى فض هذه الشراكة عام 2007 ، إلا أن مرسيدس احتفظت بالفرع الصيني من شركة كرايسلر والذي أصبح يسمى (بجين بنز) ، وأطلقت الشركة كذلك سيارة (سمارت) عام 1998 وأعادت إطلاق علامة (مايباخ) للسيارات الفاخرة وافتتحت كذكلك مصنعاً لإنتاج مركبات SUV في ولاية ألاباما الأمريكية.

 مصنع مرسيدس SUV في أمريكا

وفي منتصف عام 2012 أعلنت شركة فولكس فاجن عن صفقة مع شركة بورش أدت إلى امتلاك VW لشركة بورش بالكامل ، واعتبرت الصفقة كإعادة هيكلة لشركة بورش أكثر منها استحواذاً ، لأن فولكس فاجن كانت تمتلك أصلاً حصة كبيرة من أسهم بورش، وبلغت قيمة الصفقة قرابة 5.61 مليار دولار أمريكي.

 فولكس فاجن تشتري بورش

السيارات الألمانية اليوم

أما في وقتنا الراهن ، فتسيطر 5 شركات ألمانية و 7 علامات تجارية اليوم على قطاع صناعة السيارات الألمانية، وهي شركات (فولكس فاجن) – مع شركتيها الفرعيتين (أودي) و (بورش) – و شركة بي ام دبليو و شركة (دايملر بنز) و شركة (أوبل) و الفرع الألماني من شركة (فورد)

صناعة السيارات الألمانية

وما زالت ألمانيا تشتهر في أنحاء العالم بقطاع صناعة السيارات المتطور لديها وبهندستها الممتازة ، فمن آسيا إلى الأمريكتين تعكس السيارات الألمانية معاني الابتكار والأمان والاعتمادية وجمال التصميم ، فمراكز البحث والتطوير الألمانية تعتبر من أعرق وأقوى المراكز في العالم، وتدعمها بنية تحتية من قطاع تصنيعي متكامل، مع أيدي عاملة ماهرة ومؤهلة بأعلى المستويات ، ما يشكل بيئة مثالية لصناعة أفضل السيارات في العالم.

إلا أن مستقبل السيارات الألمانية قد يبدو غامضاً بعض الشيء، وخاصة أن مبيعات السيارات الألمانية قد تأثرت قليلاً مؤخراً بسبب التحديات الاقتصادية كانخفاض سعر صرف اليورو و هبوط اسعار البترول، وخصوصا في  أسواق روسيا و الصين، وقد يصل  أثر هذه التحديات إلى منطقتنا العربية وحتى منطقة الخليج العربي.

إنضم لأكثر من 15 مليون متابع