وداعاً فورمولا 1 وأهلاً بعصر سباقات التحمل

لا بد أن معظمنا يعرف بطولة (فورمولا 1) العالمية ومن المرجح أن معظمنا قد شاهد من قبل واحداً من سباقات الجائزة الكبرى التي تندرج تحت هذه البطولة التي تحظى بشهرة عالمية واسعة، وفي المقابل لا تتمتع سباقات التحمل لـ24 ساعة وتحديداً سباق (لومان) بنفس الشهرة في وطننا العربي على الرغم من أنها لا تقل أهمية اليوم عن سباقات فورمولا 1، بل إن الأمر وصل ببعض النقاد إلى القول بأن سباقات التحمل  تمثل مستقبل عالم السباقات في الغد القريب.

على إثر دعوة وجهتها شركة اودي لفريق عرب جي تي توجهنا مؤخراً لحضور اخر سباق من سلسة سباقات التحمل و الذي أقيم على إحدى أشهر وأعرق الحلبات في العالم ان لم تكن الاشهر على الاطلاق حلبة لومان في فرنسا للوقوف على الجولة ، خصوصا ان شركة اودي تسيطر سيطرة شبه كاملة على سلسلة سباقات التحمل.

ولنبدا أولا باعطائكم فكرة عن هذه السلسة من السباقات …………

سباق لومان 24 ساعة، هو أقدم سباقات التحمل الخاصة بالسيارات ويجري سنويًّا منذ عام 1923 قريبًا من مدينة لومان بفرنسا، وهو يعرف بسباق الجائزة الكبرى في التحمل والكفاءة، على غرار سباقات الجائزة الكبرى (فورمولا 1) ، فعلى الفرق الموازنة بين السرعة ومقدرة السيارة على البقاء مدة 24 ساعة دون التعرض للأعطال ، وأيضاً المُحافظة على مُعدّل إستهلاكات السيارة خصوصاً من الوقود والإطارات وأدوات الفرامل.

وفي البداية كان السباق للسيارات العادية التى يتم بيعها لعامة الناس والتي كانت تسمى آنذاك السيارات الرياضية، مقارنة مع سيارات السباق المتخصصة المستخدمة في سباقات “الغراند بري”، ومع مرور الوقت ابتعدت السيارات المتنافسة عن سيارات العامة، واليوم يتكون السباق من فئتين من السيارات المخصصة: نموذج السيارات الرياضية ذات الهيكل المغلق ويحتوي على مقعدين، وفئتين من سيارات السياحيّة التي تحمل تشابهًا أقرب إلى السيارات الرياضية عالية الأداء وتُباع للجمهور.

وبالطبع فان مقدرة السائق أيضاً توضع تحت الإختبار في هذا النوع من السباقات

 حيث يقضي السائق ما لا يقل عن ساعتين خلف عجلة القيادة قبل أن يتوقف فى “مناطق الصيانة” ليقوم السائق البديل بمهام القيادة،  وعلى السائقين في فترة الراحة أخذ ما يستطيعون من الطعام والراحة قبل أن يعودوا مرة أخرى الى المضمار، وفي عصرنا الحالي يلزم لكل سيارة منافسة فى السباق أن يكون لها ثلاثة سائقين.

وينطلق السباق فى أوج الصيف الأوروبي فى يونيو، وهذا بالطبع طقس حار جدًا بالنسبة للسائقين خصوصاً بالنسبة لقائدي السيارات ذات السقف المنخفض والتى ترتفع درجة حرارتها الى مستوى غير مريح خصوصاً إذا كانت التهوية سيئة بالسيارة، أما الأمطار فليست بالأمر الشائع.

ويبدأ السباق فى منتصف النهار ويستمر باللّيل وحتى الصباح الى أن ينتهي فى اليوم التالي فى نفس الوقت الذى بدأ فيه.

ويقطع السائقون خلال 24 ساعة مسافة 5000 كيلومتر تقريباً،  أما الرقم القياسي الحالي فهو 5410 كيلومتر وتم تحقيقه فى سباق عام 2010، وهي مسافة أطول من سباق فورمولا واحد بـ18 مرّة. 

وعلى مرّ السنين ألهم السباق العديد على تقليده فى الكثير من أنحاء العالم، فقد تم تقليد فكرة سباق الـ24 ساعة فى العديد من المناطق مثل “دايتونا”، “نوربورغرينغ”، “سبا فرانكورشان”، و”سيبرينغ”.

السيارات:

أما من حيث السيارات المنافسة في سباق لومان للتحمل لـ24 ساعة ، فيبلغ عدد المتنافسين 56 متنافساً تقريبًا، ويجب أن لا يقل عدد المقاعد فى كل سيارة عن مقعدين، بالرغم من أن إمكانية اضافة مقعد ثاني فى مقصورة القيادة هو من المتطلبات اللازمة التى تم إدخالها فى السنوات الأخيرة، الاّ أنّ المقعد الثاني نفسه غير مُلزم للفريق، كما إنه من غير المسموح وجود أكثر من بابين في السيارة.

وبالرغم من أنّ السيارات تتنافس فى نفس الوقت إلّا أنها تنقسم الى فئات، وتمنح الجائزة للفائز فى كل فئة بالإضافة الى الفائز فى السباق ككل.

وقد اختلف عدد الفئات المشاركة على مر السنين، ولكن حاليًا يوجد أربع نماذج:

نماذج معدة خصيصاً لسباق لومان وتسمى  LMPوهى عبارة عن نموذجين  LMP1 وLMP2 ويختلفان بالطبع فى السرعة والوزن والقدرة الحصانية لكل منهما، حيث تعتبر LMP1 فئة المحترفين  و LMP2 فئة الهواة، وتشارك في هذا الفئة أربع شركات، أودي وبورش وتويوتا وأخيراً نيسان

واعتبارًا من عام 2012، تم إدخال نموذجين جديدين من فئة السيارات السياحيّة “جي تي”، وهما “جي تي أندوروس Pro” للمحترفين وجي تي أندوروس Am” للهواة حيث تتنافس هذه السيارات في فئة الـGT2 FIA، وتشارك في هذه الفئة سيارات استون مارتن و فيراري وكورفيت وبورش.

بعد حضور السباق عزيزي القارئ تأكّد لنا كفريق عرب جي تي أن قرار اودي بالاهتمام بهذا النوع من السباقات (سباق التحمل) هو الأصح  والأفضل لما وجدناه من حضور جماهيري وتفاعل أكثر من رائع،  إلى جانب التكنولوجيا المتطورة الموجودة في سيارات أقرب للواقع اليومي ولعالم التصنيع التجاري من تلك التقنيات الموجودة في سيارات الفورمولا 1 التي تبدو قادمة من الفضاء!

حيث واصلت أودي تحقيق مراكز متقدمة في موسم سباقات التحمل وصعدت منصة التتويج بعد سباق الـ24 ساعة في لومان مع حصد المركز الثالث والرابع والسابع، ولكنها لم تنجح في اقتناص النصر الرابع عشر الذي كانت تصبو إليه في سباق التحمل الأكثر شهرة في العالم، لتضيف بذلك فوزاً آخر إلى سجل أودي المثير للإعجاب، ففي جميع سباقات لومان الـ17 الماضية لازم فريق أودي منصة التتويج عبر تحقيق أحد المراكز الثلاثة الاولى.

وهذه المرة كانت مع فريق أبطال العام الماضي، مارسيل فاسلير/ أندريه لوتيرير/ بونوا تريلوير. حيث أنهوا السباق في المركز الثالث في مركبتهم  Audi R18 etron quattro، وذلك خلف اثنين من سيارات بورش.

وفيما رشّحت كثير من التخمينات الصحفية  أن اودي ستبدأ بالمشاركة في سباقات الفورمولا 1  خصوصا بعد التغيرات الاخيرى في سلسلة هرم ادارة الصانع الالماني، إلا أن الشركة تفت جميع الاشاعات و أصرت على الاستمرار في سباقات التحمل لأنها أقرب لها و وفلسفتها من سباقات الفورمولا 1.

خاصة وأن سباقات فورمولا 1 بدأت تفقد بريقها في القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة، وتعرضت للكثير من الانتقادات من الجمهور والنقاد بل وحتى السائقين المحترفين، حتى ان الأمر وصل بالسائق الاسباني الشهير (فيرناندو ألونسو) بطل العام السابق إلى القول بأن سباقات فورمولا 1 “لم تعد مثيرة كالسابق” وأنه يفكر في التحوّل إلى نوع آخر من السباقات.

ويعزى هذا بشكل كبير إلى القوانين الصارمة التي يفرضها الاتحاد الدولي للسيارات في كل عام على سيارات السباق (محركات أصغر، إطارات خاصة، شكل السيارة، تحديد نسب التروس خلال الموسم) والتي تحد من التنوع وتجعل السيارات تبدو متشابهة إلى درجة عالية، وفي المقابل نجد سيارات بأربع أو ست أو ثماني اسطوانات في سباقات التحمل ، مع شاحن توربيني أو بدون ، بعضها يعمل على الديزل والآخر على البنزين وغيرها من الأنظمة الهجينة.

ومن جهة أخرى لم يعد التشويق حاضراً في سباقات فورمولا 1 ، وأصبح التنبؤ بنتائج السباقات هواية لدى كثير من المتابعين، الذين غالباً ما تصيب توقعاتهم بنسبة عالية، خاصة بعد سيطرة صانع واحد أو اثنين على البطولة في السنوات الست الماضية ، فيما يساهم تعدد الفئات ودخول المزيد من المصنعين إلى دائرة المنافسة في سباقات التحمل على إبقاء عنصر التشويق والإثارة.

ويمكننا بوضوح تلمس آثار هذا الفتور حيال سباقات فورمولا 1 في قرار دولة مثل ألمانيا، التي آثرت عدم دفع 57 مليون دولار للاحتفاظ بحقها في إقامة السباق على حلبتها الشهيرة في مدينة هوكينهايم وقررت دعم رياضاتها المحلية بهذا المبلغ.

بصراحة عزيزي القارئ .. سباقات التحمل لم تتلوث بعد في عالم صناعة المال و حقوق النشر و بقيت –  و أتمنى أن تبقى  كذلك – بعيدة عن هذه اللعبة الخطرة التي تقتل روح المنافسة والتحدي و تحولها الى صناعة إنتاجية ربحية كما هو الحال في سباقات الفورمولا 1 اليوم، الأمر الذي وصل أثره إلى المتابعين الذين بدؤوا يشعرون بالفتور مؤخرا ، ما جعل سلسلة السباقات الكبرى تخسر العديد من المتابعين وفقاً لإحصائيات الجمهور في الحلبات والتي سجلت تراجعاً كبيراً.

 لذلك نجد عيون اكلستون – مالك حقوق بطولة فورمولا 1-  تحوم الآن حول آسيا فقط، حيث ما زال لسباقات فورمولا 1 شيء من البريق الموشك على الأفول!

كُتب بكيبورد: الحربي

إنضم لأكثر من 15 مليون متابع