شمس صناعة السيارات اليابانية تسطع في أنحاء العالم

تُعتبر صناعة السيارات في اليابان أحد أكبر الصناعات في العالم وأكثرها بروزاً ، حيث تحتل اليابان أحد المراكز الثلاثة الأولى على قائمة أكثر الدول تصنيعاً للسيارات في العالم منذ ستينيات القرن الماضي ، وفي السبعينيات والتسعينيات شهد هذا القطاع نمواً سريعاً ، وفي الثمانينيات والتسعينيات تقدمت اليابان على الولايات المتحدة الأمريكية في عدد السيارات المصنعة لتحتل المركز الأول على مستوى العالم بحجم إنتاج وصل إلى 13 مليون سيارة سنوياً .

ولكن وبعد التطور المفاجئ لصناعة السيارات في الصين في العقد الأول من الألفية الجديدة و تذبذب الإنتاج الأمريكي أصبحت اليابان ثالث أكبر دولة صانعة للسيارات من حيث عدد السيارات المنتجة سنوياً بمعدل إنتاج بلغ 9.9 مليون سيارة سنوياً عام 2012 ، كما ساهمت الاستثمارات اليابانية في تنمية قطاع تصنيع السيارات في العديد من الدول خلال العقود الأخيرة.

كما تعد اليابان موطنا لعدد من شركات تصنيع السيارات و المركبات الثقيلة و الدراجات النارية و المحركات ، ومن أشهر هذه الشركات تويوتا وهوندا و دايهاتسو ونيسان وسوزوكي ومازدا و ميتسوبيشي و سوبارو و إسوزو و كاوازاكي وياماها و ميتسوكا.

فيما فازت السيارات اليابانبة بالعديد من الجوائز العالمية ، وتركت السيارات ذات التصيم الياباني تأثيراً واضحاً على قطاع صناعة السيارات في العالم

لمحة تاريخية

بدأت التكتلات الصناعية اليابانية في صنع السيارات عام 1915 ، وذلك بطريقتين، الأولى من خلال التعاون مع شركات السيارات الأوروبية لصنع سياراتهم وبيعها في اليابان بموجب حقوق امتياز ، مثل سيارة  (ميتسوبيشي  موديل A) التي صنعت بالاعتماد على سيارة (فيات تيبو 3) .

فيما قامت بعض الشركات بتصميم شاحناتها الخاصة بها ، حيث كان سوق سيارات الركاب العادية صغيراً جداً في ذلك الحين

ومع قدوم الحرب العالمية الثانية تزايد الطلب على الشاحنات المحلية من قبل الجيش الياباني ما أجبر العديد من الصناع اليابانيين على تصميم مركباتهم بنفسهم وعدم الاعتماد على التصاميم الأجنبية ، وفي السبعينيات كانت اليابان رائدة قطاع تصنيع السيارات باستخدام الروبوتات

السنوات الأولى

في عام 1904 أنتج (توراو ياماها) أو حافلة تصنع في اليابان ، وكانت تعمل على محرك بخاري ، أما أول سيارة يابانبة بمحرك يعمل على الوقود فكانت سيارة (تاكوري) التي قدمها (كومانوسوكي أوشي ياما) عام 1907 ، وفي عام 1910 أنتجت شركة (كونيسو) سيارتها الخاصة وفي العام التالي تعاونت مع شركة (طوكيو موتورز) في إنتاج سيارة (طوكيو)

كما تأسست شركة (كوايشينشا) عام 1911 وأطلقت سيارة DAT

وفي عام 1920 بدأت شركة (جيتسويو جيدوشا سيزو) بصنع سيارة (جورهام) و سيارة (ليلا) ، وتم دمجها مع شركة (كوايشينشا) عام 1926 لتظهر شركة جديدة تحمل اسم DAT ، والتي تطورت لاحقاً لتصبح ما نعرفه اليوم باسم (نيسان موتورز) .

أما شركة تويوتا فتحولت من قطاع النسيج إلى تصنيع السيارات عام 1936

ولكن معظم إنتاج هذه الشركات كان من الشاحنات بناءً على طلبيات الجيش الياباني وبتمويل منه.

وكما ذكرنا سابقاً فإن معظم السيارات التي كانت تصنع في اليابان قبل الحرب العالمية الثانية كانت تعتمد على موديلات أمريكية وأوروبية ، فقد كانت سيارات نيسان في الثلاثينيات تعتمد على سيارة (أوستن 7) ، بينما اعتمدت سيارة (تويوتا AA) على موديل (كرايسلر ارفلو)، واعتمدت سيارات (أوهتا) في الثلاثينيات على موديلات فورد .

كما تأسست شركة فورد في اليابان عام 1925 وتم إقامة مصنع للسيارات في مدينة (يوكوهاما) ، أما (جنرال موتورز) فأقامت مصانعها في مدينة (أوساكا) عام 1927 ، وجاءت (كرايسلر) إلى اليابان أيضاً ةأنشأت شركة (كيوريتسو موتورز) ، وبلغ إنتاج الثلاث الكبار داخل اليابان 208.967 سيارة بين عامي 1925 و 1936 مقارنة بـ12,127 سيارة أنتجتها الشركات اليابانية في نفس الفترة

إلا أن الحكومة اليابانية أصدرت قانونا لتنظيم صناعة السيارات في اليابان عام 1936 بهدف تشجيع صناعة السيارات المحلية وتقليص المنافسة الأجنبية ، وللمفارقة جاء هذا القرار ليوقف خطة فورد في إقامة مصنع متكامل جديد في (يوكوهاما) لخدمة السوق الآسيوية ، وكان هذا المصنع ليساهم في جعل اليابان مصدراً أساسياً للسيارات.

وبحلول عام 1939 أُجبرت شركات السيارات على مغادرة اليابان ، وتحول إنتاج السيارات إلى إنتاج الشاحنات فقط بسبب اندلاع الحرب اليابانية الصينية الثانية التي انتهت باستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.

وبقي الإنتاج محدوداً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وكان يقتصر على الشاحنات حتى عام 1966 .

الستينيات والحجم الصغير

أطلق صانعو السيارات اليابانيين فئة جديدة من السيارات في الستينيات حملت اسم (Kei cars) مخصصة للسوق المحلي ، وكانت هذه السيارات الصغيرة مزودة بمحركات صغيرة جداً (أكثرها باسطوانتين) وبحجم أقل من 360 سم مكعب قد يصل أحياناً إلى 600 سم مكعب في السيارات المخصصة للتصدير ، وذلك بهدف تخفيض الضرائب والرسوم المفروضة عليها ، حيث يعتمد قانون الترخيص الياباني على حجم السيارة وحجم محركها في فرض الرسوم السنوية ,

ومن أبرز هذه الفئة من السيارات الصغيرة سيارة سوبارو 360 التي لم يتجاوز وزنها 454 كجم ، والتي كانت تُعرف باسم (لايدي بيتل) في إشارة إلى سيارة (فولكس فاجن بيتل)

المشكلة أن سيارات (كي) كانت أصغر مما تحتاجه العائلة العادية ولم تلاق نجاحاً كبيراً وبقيت الدراجات النارية الصغيرة هي المسيطرة على السوق بمبيعات وصلت إلى 1.47 مليون دراجة عام 1960 مقارنة بـ 36 ألف سيارة (كيه) فقط .

إلا أن فئة السيارات الأكثر انتشاراً في اليابان في ذلك الحين كانت تلك المزودة بمحركات سعة (700 – 800 سم مكعب) والتي تتمثل في سيارات (تويوتا ببليكا) و (ميتسوبيشي كولت 800) و (مازدا فاميليا) ، ومع نهاية الستينيات بدأت تظهر السيارات المزودة بمحركات رباعية الاسطوانات سعة لترين وعلى رأسها نيسان صني  موديل 1966.

حيث بدأت هذه السيارات بزيادة حصتها تدريجياً من سوق السيارات الياباني المزدهر ، ومع تحسن دخل المواطن الياباني أصبح المزيد من الزبائن  قادرين على شراء سيارة ، فارتفعت المبيعات بشكل كبير وانتعش معها قطاع تصنيع السيارات ليصل إلى ما هو عليه الآن.

توسع الصادرات والانطلاق إلى العالمية

تضاعفت صادرات السيارات اليابانية عشرات المرات في الستينيات مقارنة بالعقود الماضية وأصبحت تشكل 17% من الإنتاج الوطني لليابان في ذلك الحين ، ولكن هذه لم تكن سوى البداية .

فمع ازدياد حجم السوق المحلي المتسارع و توسع السيارات اليابانية إلى الأسواق الأجنبية في السبعينيات ارتفعت الصادرات بوتيرة أسرع ، وخاصة مع الحظر النفطي عام 1973 الذي استفادت منه السيارات اليابانية التي تتميز باستهلاكها المنخفض للوقود ، كما استفادت منه الصادرات بسبب انخفاض قيمة الين الياباني أمام الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني والمارك الألماني ، فارتفعت صادرات سيارات الركاب من 100 ألف عام 1965 إلى ما يزيد على 1.8 مليون سيارة عام 1975 .

وواصل قطاع تصنيع السيارات في اليابان نموه بعد السبعينيات ، حيث بدأت شركات (ميتسوبيشي) و (هوندا) ببيع سياراتها في الولايات المتحدة الأمريكية ، وبحلول الثمانينيات أصبح للسيارات اليابانية موطأ قدم ثابتة في أسواق العالم، وانتشرت السيارات اليابانية بين السائقين البريطانيين مطلع السبعينيات ، الذين أحبوا سيارة (نيسان داتسون) لما تتمتع به من سمعة طيبة من حيث قوة تحملها و انخفاض تكاليف صيانتها واستهلاكها للوقود.

ومن جهة أخرى بدأت المنافسة تشتعل بين الشركات اليابانية في الستينيات ، فعلى سبيل المثال كان هنالك منافسة قوية عُرفت تاريخياً باسم حرب CB بين سيارة تويوتا كورونا من جهة وسيارة نيسان بلوبيرد ما أدى إلى توسع كبير في قطاع البحث والتطوير في كلتا الشركتين .

ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات دخلت شركات السيارات اليابانية فيما يشبه سباق التسلح في الإنتاج بكميات كبيرة ما أدى إلى تخفيض كلفة إنتاج السيارات، وكان لهذا السباق تأثيره بالطبع على الجودة، فارتفع حجم الإنتاج ولكن في المقابل أصبح مصطلح “استدعاء السيارات” يظهر بشكل متكرر.

ريادة العالم

نجح صناع السيارات اليابانية في تقديم سيارات رائجة؛ مقبولة السعر وقوية التحمل وبتصاميم جذابة خلال التسعينيات ، فاحتلت اليابان المركز الأول كأكبر دولة مصنعة للسيارات عام 2000 ، إلا أن حصة السيارات اليابانية تراجعت قليلاً في السنوات اللاحقة بسبب المنافسة التقليدية من كوريا الجنوبية والهند والصين.

وعلى الرغم من هذا إلا أن صناعة السيارات اليابانية واصلت الازدهار  وتفوقت شركة تويوتا عام 2008 على مبيعات جنرال موتورز لتصبح أكبر مصنّع للسيارات في العالم ، واليوم تحتفل تويوتا بلقب أكثر السيارات مبيعاً في العالم للعام الرابع على التوالي ، بينما ما زالت اليابان ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم وهي كذلك الثالثة على قائمة أكثر الدول تصنيعاً للسيارات ، وتُعتبر السيارات أكثر صادرات اليابان تحقيقاً للأرباح وهي عمادة خطة التعافي التي وضعتها الحكومة اليابانية بعد الأزمة المالية.

كُتب بكيبورد: الحربي

إنضم لأكثر من 15 مليون متابع